التصنيف المضاد
نشر بتاريخ: 2021/10/27 ( آخر تحديث: 2024/03/25 الساعة: 19:15 )

القرار الإسرائيلي الذي صنف ست منظمات مجتمع مدني كمنظمات إرهابية طرح الاستباحة الإسرائيلية لأبسط الحقوق المدنية الفلسطينية على بساط البحث.  
المنظمات المستهدفة مختصة بحقوق الإنسان وحقوق الأطفال والتنمية والإغاثة وقضايا النساء.
والموضوع بجزئيته هو فصل من فصول  العمل الإسرائيلي المنهجي لترجمة صفقة القرن على الأرض وما تعنيه من ضم المستعمرات والأغوار والقدس وفرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية والسيطرة على شعب بأكمله.
تصعيد الحرب الإسرائيلية على المجتمع المدني هو بند رئيس على جدول حكومة بينيت - لبيد - غانتس، حيث تستمر عمليات تدمير البنية التحتية في الأغوار والقدس، وبموجات متلاحقة من الاستيطان وبإطلاق يد عصابات المستوطنين التي تقتلع الأشجار وتنهب وتعتدي على المزارعين وترتكب الجرائم، وبالاعتقال اليومي للشبان وبعضهم أطفال لمجرد شبهة الاحتجاج على عمليات النهب والقرصنة.
الهدف غير المعلن لسلطة الاحتلال من إخراج المنظمات الست عن العمل هو الاستمرار في إضعاف وكبح دور المجتمع المدني والمضي في عملية الضم وتصفية القضية الفلسطينية دون جلبة، وتدمير الجسور التي تربط المجتمع المدني الفلسطيني بالعالم وبمنظماته الحقوقية.
غير أن قرار التصنيف الإسرائيلي الاستفزازي للمنظمات الست ووصمها بالإرهاب أثار ردود فعل خارجية وداخلية مناهضة، لم تكن في الحسبان، وكان من أبرزها. رد منظمة العفو الدولية التي أصدرت بيانا اعتبرت فيه القرار الإسرائيلي اعتداءً سافراً على حقوق الإنسان".
وتشاركت منظمة العفو ومنظمة هيومن رايتس ووتش في بيان مشترك قالتا فيه إن القرار الإسرائيلي مجحف ومريع وهو اعتداء من الحكومة الإسرائيلية على حركة حقوق الإنسان الدولية.
بدوره مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في الضفة الغربية قال إنه "منزعج" إزاء هذا الإعلان، و"يتعين على إسرائيل عدم استخدام قانون مكافحة الإرهاب في تقييد حقوق الإنسان والعمل الإنساني."
منظمة بتسيلم الإسرائيلية الحقوقية كشفت عن هدف القرار وهو إغلاق هذه المؤسسات، وأكدت تضامنها معها وقالت إنها "فخورة بالعمل المشترك مع زملائنا الفلسطينيين على مر السنين، وسنواصل القيام بذلك".
وأدانت عضوة الكونغرس الأميركي بيتي ماكولوم إغلاق مؤسسات المجتمع المدني الشرعية التي تدافع عن حقوق الإنسان الفلسطيني، واعتبرته قرارا معاديا للديمقراطية، ومحاولة لإسكات مؤيدي الحقوق الفلسطينية.
كما نرى فإن منظمات الاختصاص في حقوق الإنسان التي تربطها علاقة مهنية مع المنظمات الفلسطينية المستهدفة منذ عقود رفضت الادعاءات الإسرائيلية التي سوّغت قرار التصنيف والمنع بأسباب واهية وغير مقنعة.
هذا الرفض وضع سلطة الاحتلال في موقع المتهم بخنق الحريات الفلسطينية خارج القانون، ووضعها في مواجهة الإرادة والمرجعية الدولية ومعاييرها التي انطبقت على المنظمات الست الشرعية.
القرار الإسرائيلي الذي ينتمي للحكم العسكري الاستعماري في أبشع صوره، أعادنا إلى مراحل الاحتلال السابقة، عندما حظر الحاكم العسكري الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية على الفنانين التشكيليين رسم بطيخة لأن ألوانها بلون العلم الفلسطيني، كما أعاد القرار المجتمع الدولي إلى قيام جيش الاحتلال بتدمير برج الجلاء في مدينة غزة والذي يضم 22 مركزاً ومحطة إعلامية بينها وكالة الأنباء الأميركية الاسوشيتد برس وفضائية الجزيرة، الذي نفذ بذريعة وجود مكتب إعلامي لحركة حماس في ذلك البرج.
عندما بدأت الرواية الإسرائيلية في إغلاق المؤسسات الست بلا سند قانوني، تفتق العقل الأمني بمزاعم، كالقول إن هذه المنظمات تخدم الإرهاب ويشارك أفرادها في أعمال إرهابية مع العلم أن المقاومة المسلحة أصبحت نادرة الحدوث في الضفة الغربية المحتلة.
معروف أن المنظمات الحقوقية وكل منظمات (ان جي أو ز) تضم في صفوفها أعضاء وكوادر سابقين من التنظيمات الفلسطينية، ومعروف أن كل التنظيمات التي لها جناح مسلح تفصل بشكل كامل بينه وبين الجناح السياسي والمنظمات الشعبية والاتحادات وهو السواد الأعظم من كل التنظيمات - يتجاوز 98 % من مكونات التنظيمات - ومعروف أن كل التنظيمات تشارك في الانتخابات المحلية والمجلس التشريعي والجامعات والنقابات والاتحادات الشعبية والمنظمات النسوية ومنظمات الشبيبة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وكانت أول انتخابات بلدية في عهد الاحتلال في العام 76 بمشاركة أعضاء وأصدقاء فصائل منظمة التحرير.
قبلت دولة الاحتلال بهذه المعادلة لأن أكثرية دول العالم وكل الشعوب أيدت ودعمت حق الشعب الفلسطيني في التحرر والخلاص من الاحتلال. ولأن دولة الاحتلال أرادت أن تكون الغلبة للنضال السلمي الفلسطيني، مع أنها كانت تقمعه بلا هوادة وبخاصة أثناء الانتفاضة الوطنية الكبرى التي اعتمدت النضال السلمي.
الآن تقوم دولة الاحتلال بقلب الطاولة، وتوجه حرابها لمدافعين عن القانون والحقوق في وجه انتهاكات الاحتلال وأي انتهاكات أخرى، ومن يتشكك في ذلك فليراجع أنظمة وقواعد وبرامج وتحقيقات وموازنات ومرجعيات العمل بهذه المنظمات ومثيلاتها.
الذريعة الإسرائيلية والأمثلة التي تقدمها تحت مسمى معلومات سرية لا تحترم العقل لأنها تتعامل في أحسن الأحوال مع استثناء - إن صح الادعاء - وتتجاهل القاعدة، والاستثناء موجود دائما في أجهزة الشرطة والأمن وكل التنظيمات، والاستثناء متوفر في جيش الاحتلال الذي انبثقت عنه منظمة (لنكسر الصمت) التي تضم جنودا أدانوا القمع والانتهاكات الوحشية ضد أبرياء فلسطينيين، وقدموا توثيقا لتجاربهم وتجارب زملائهم من الجنود والضباط.
الجدير بالتوقف عنده ومعالجته هو المقدرة الإسرائيلية على قلب المعادلات، والتعاطي الدولي مع هذا الفعل المشين خضوعا للابتزاز.
دولة الاحتلال لا تنتهك القانون الدولي وحسب بل ترفضه وتستبدله بفتاوى دينية تعصبية تنكر الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
كل نقد للاحتلال وجرائمه يعتبر عملا معاديا للسامية، كل عقوبة أو الدعوة لعقوبة إسرائيل ومقاطعتها يعتبر عملا غير مشروع ويصب في خانة العداء للسامية.
كل لجوء للمنظمات الدولية كالجنايات ومحكمة العدل العليا ومجلس حقوق الإنسان للبحث في الجرائم الإسرائيلية يعتبر عملا معاديا لحق إسرائيل في الوجود، وكل تصدٍ لمستوطنين فاشيين من جماعات كهانا ومنظمات شعارها الموت للعرب وتقوم بسرقة أراضٍ وتحويلها إلى بؤرة استيطانية، يعتبر مسا بالأمن الإسرائيلي.
إلى متى تظل إسرائيل محمية حتى من المساءلة؟ إلى متى تبقى إسرائيل حرة في قلب المعادلات وتزوير الحقيقة.
إن التراجع عن قرار تصنيف المنظمات الست كمنظمات إرهابية، لا ينفصل عن تجريد دولة الاحتلال من حرية النهب والسرقة والهيمنة والتمييز العنصري ومن تصنيف مكانتها من دولة فوق القانون إلى دولة تحت القانون.