نشر بتاريخ: 2022/05/21 ( آخر تحديث: 2022/05/21 الساعة: 14:31 )
أكرم عطا الله

راديو الشباب  

«سمر لي» احفظوا هذا الاسم جيداً، ربما سنراها كثيراً على وسائل الإعلام إذا ما تمكنت من استكمال نجاحاتها، وهي السياسية الأمريكية ابنة الرابعة والثلاثين عاماً والمؤيدة لحقوق الفلسطينيين والتي تطالب «بعدم التسامح مع الأعمال الوحشية ضد الشعب الفلسطيني»، فقد تمكنت أول من أمس من هزيمة ستيف أروين منافسها ومرشح الايباك على مقعد الكونغرس بولاية بنسلفانيا.

لقد بذل ايباك كل جهوده وأنفق ملايين الدولارات لهزيمتها حسب التقرير الذي نشرته صحيفة الغارديان البريطانية والذي كشف فيه أن اللوبي المؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة يضخ ملايين الدولارات سراً لهزيمة الديمقراطيين التقدميين المؤيدين للحقوق الفلسطينية، وكان نصيب أروين المؤيد لإسرائيل 2.3 مليون دولار لهزيمة سمر لي حتى لا تنضم لزميلاتها رشيدة طليب وإلهان عمر وايانا بريسلي وكوري بوش وجمال بومان والتي تبذل كل الجهود لإسقاطهم.

هُزم أروين المحمول على أكتاف ملايين الدولارات، وانتصرت سمر لي المحمولة على أكتاف العدالة الانسانية الآخذة في التمدد والتوسع كثقافة كونية بات انتشارها أسرع وأقوى من معيقات المال والإغراء والترهيب، وتشق طريقها في أكثر من عاصمة باتت ترى في السلوك الإسرائيلي كآخر احتلال سلوكاً متناقضاً مع مفاهيم العدالة والحضارة الانسانية، والتي بات يرى جيل جديد من الشباب أن عليه مسؤولية أخلاقية ينشرها والوقوف ضد الظلم.

العام الماضي أفاقت إسرائيل على صدمة تأييد للفلسطينيين بتظاهرات كانت تجوب شوارع كبرى المدن العالمية وعواصم اعتبرت تاريخياً أنها مؤيدة لها بل ساهمت برعايتها مثل لندن وواشنطن، ووصل صداها الى عتبة البيت الأبيض والحزب الديمقراطي الذي باتت تتنامى منه كتلة رافضة للاحتلال وباتت تخجل من استمرار تبرير ممارساته كما تقول «سمر لي»، حينها قررت إسرائيل رصد مليار دولار لمواجهة الأمر، ويبدو أن جزءًا من تلك المليارات وصل للمرشحين على مقاعد الكونغرس، ويبدو أيضاً أن تلك الأموال الهائلة تنهزم أمام المفاهيم الإنسانية والتي باتت أكثر حضوراً في عصر السوشيال ميديا.

كيف يمكن لملايين الدولارات أن تحجب حقيقة قتل صحافية؟ فمها بلغت قوة الدعاية ستسقط أمام هذا الوضوح من الظلم، من يمكنه أن يبرر هجوم جيش مدجج على جثمان مُسجّى بالصوت والصورة؟ كان المنظر مفزعاً، لم يسقط التابوت، ولكن سقطت صورة إسرائيل أكثر ولا تغطيها كل أوراق توت المال، بل إن المزاج الدولي يستعيد توازنه بعد أن تم تضليله مرة وارهابه مرات بتهمة معاداة السامية لكنه أكثر ثباتاً الآن لأن الحقيقة أكثر سطوعاً، ففي عصر السوشيال ميديا انتهى زمن احتكار البث والصورة والمعلومة الموجهة لصالح الحقائق تنهمر بحيادية ودون تَحكّم.

أزمة إسرائيل أنها تغرق أكثر في الأيدلوجيا كثقافة تنزع نحو الجمود ولا تفهم عوامل التغيير، أنها ثابتة وفقاً لتعاليم وكتب قديمة جدا فكيف ستفهم عمق اللحظة الراهنة؟ ومن هنا يبدأ هذا الصدام الهادئ مع الثقافة الكونية المتنامية، إسرائيل تعود للوراء والعالم يسير للأمام، هذا ببساطة ما يحدث وهذا ما سنشهد تداعياته على سلم بياني ثابت صاعد لصالح العدالة الدولية. وتلك الهوة ستزداد أكثر، وما بين قرار صرف ألف مليون دولار وما بين النتائج المعاكسة عام واحد فقط، التظاهرات والمناخ الدولي الذي عبر عن نفسه بقتل شيرين أبو عاقلة ونذُر نتائج انتخابات في أميركا «سمر لي» نموذجاً تشي بالفشل، إسرائيل تضخ أموالا لإسقاط الكتلة المؤيدة للفلسطينيين في الحزب الديمقراطي لتكتشف أن تلك الكتلة في تزايد.

أزمة إسرائيل أنها لم تفهم بعد أنها بقيت وحدها وحيدة كدولة احتلال وتحتكر هذه الصفة، فلم تفهم عندما أقيمت وخلال  العقود التي تلتها أن العالم كان موزعاً بين كتلتين، كتلة دول كبرى تحتل شعوباً أخرى، حينها كانت إسرائيل تتساوى مع تلك الدول التي لم تكن تخجل حينها من احتلال تلك الشعوب، كانت تلك ثقافة سائدة وإسرائيل جزء من تلك الثقافة، ولكن الآن بعد كل هذا الزمن وكل تلك العقود وكل هذا التغيير في المفاهيم وكل تلك الثورة في المعلومات والاعلام والصورة لم تنتبه إسرائيل أن كلمة احتلال أصبحت عاراً وجزءاً من تاريخ بات يخجل منه أصحابه.

عندما أقيمت إسرائيل وحتى بعدها بعقود كانت فرنسا تحتل الجزائر ومعها دول أخرى في أفريقيا، وكانت بريطانيا تحتل دولاً أخرى وكانت الولايات المتحدة تذهب هناك الى فيتنام، لكن الآن اعتذرت فرنسا عن تاريخها الاحتلالي وقدمت ايطاليا اعتذاراً لليبيا، وستعتذر بريطانيا يوماً ما. فالأجيال الجديدة في تلك الدول باتت أكثر انفصالاً عن ذلك الماضي وأكثر ارتباطاً بالقيم الإنسانية.

ووسط هذا التحول الكوني تطل إسرائيل بحقائب المال في محاولة قسرية لوقف النمو الطبيعي للثقافة الإنسانية وتراكمها. إنها دولة عجيبة مازالت تقف عند مفاهيم الماضي، ولم تدرك بعد أن أدواتها القديمة في التأثير في زمن ما لم تعد تلائم هذا الزمن. فقد لخصت الصراع بصورة واحدة، جيش يواجه تابوتاً، هذه هي الرواية.!