نشر بتاريخ: 2021/06/21 ( آخر تحديث: 2021/06/21 الساعة: 14:35 )
طلال عوكل

راديو الشباب  

شهر مضى على وقف إطلاق النار بين إسرائيل وفصائل المقاومة في قطاع غزة، وأسبوع على نيل حكومة المتناقضات الإسرائيلية الثقة، دون أن يتحرك أي ملف بينما تتصاعد التهديدات الإسرائيلية لشن عدوان جديد تتوقع أوساط إسرائيلية أن يقع خلال أسابيع.

إسرائيل لم تغير سياساتها وإجراءاتها المتبعة ضد الفلسطينيين لا في القدس، ولا في الضفة الغربية، ولا في الداخل الفلسطيني، بينما يستمر الحصار المشدّد ضد قطاع غزة، بعد أن نسفت إسرائيل كل التفاهمات، السابقة على العدوان الأخير.

حكومة نفتالي بينيت - لابيد، أظهرت وحشية وتطرفاً، أشد من حكومة نتنياهو، حين هاجمت طائرات حربية إسرائيلية مواقع في القطاع رداً على إطلاق بالونات حرارية من غزة.

الحكومة الإسرائيلية أعلنت أنها ستتعامل مع البالونات الحرارية، مثلما لو أنها صواريخ تطلق من غزة، وأنها سترد بقسوة أكبر على ذلك، وقد فعلت ذلك بالممارسة، بما يشير إلى أن حكومة الرأسين تسعى لفرض معادلة هدوء تام مقابل هدوء، التي يرفضها الفلسطينيون، ونجحوا في تغييرها خلال العدوان الأخير.

لا يروق لحكومة الرأسين أن تبادر مصر التي تتولى الملف، إلى فتح المعابر، أمام تدفق البضائع ومواد البناء، والبدء بعملية إزالة الركام تمهيداً لإطلاق عملية إعادة البناء. تخشى إسرائيل أن يؤدي ذلك إلى وصول المواد اللازمة لإعادة ترميم الأنفاق، وتعزيز قدرات المقاومة طالما أن الأمر يتم دون إشراف من قبلها أو من قبل المجتمع الدولي.

هذا يعني أن عوامل التفجير قائمة، فلا المقاومة ستقبل باستمرار الوضع على ما هو عليه، حيث الحصار، وتعطيل إدخال الأموال القطرية، وأموال إعادة الإعمار، مع استمرار العدوان الإسرائيلي والقمع والاستيطان على كل الجبهات الفلسطينية. كما أن إسرائيل لا يمكن أن تتخلى عن سياستها وطبيعتها الاحتلالية العدوانية والعنصرية، وبأن يفلت ملف غزة من سيطرتها.
حتى الآن أظهر الفلسطينيون استعداداً لضبط النفس، ومراعاة الموقف والدور المصري، الذي يسعى وراء النجاح في المهام التي أوكلها إليه المجتمع الدولي والإقليمي، لتثبيت الهدوء، ومعالجة بقية الملفات المرتبطة به، ولكن لا أحد يضمن استمرار سياسة ضبط النفس إذا واصلت إسرائيل التصعيد من جانبها.

من الواضح أن حكومة الرأسين، محكومة لمعادلات الوضع الداخلي الإسرائيلي لكونها في العموم تعكس تطرف المجتمع والسياسة، وأن مبرر وجودها واستمرارها مرهون بأن تقود سياسة أكثر تطرفاً من سياسة الحكومة التي أدارها نتنياهو. في الواقع فإن ثمة صعوبات جمة أمام إمكانية أن تقود الوساطات والضغوط الدولية والإقليمية، إلى أن يتم تذليل العقبات التي تعترض، فتح المسار السياسي، الذي يؤكده المجتمع الدولي بما في ذلك الولايات المتحدة.
الولايات المتحدة، تبدي اهتماماً بالتفاصيل، ولكنها تمتنع عن ممارسة ضغوط فاعلة وحقيقية على إسرائيل لكي تقوم بما يجب عليها القيام به من أجل تسهيل الوصول إلى مرحلة فتح المسار السياسي.

كالعادة، منحت إدارة بايدن حكومة الرأسين، مكافآت، كلما زاد منسوب تطرفها، تماماً كما فعلت إدارة باراك أوباما، بعد عدوان 2014، حين منحت إسرائيل ثمانية وثلاثين مليار دولار خلال عشر سنوات، ما شجع حكومة نتنياهو على مزيد من التطرف.

إدارة بايدن أوصت بمنح إسرائيل ملياراً ومئتي مليون دولار، أكثر من المبلغ الذي طلبه بيني غانتس وزير الدفاع، الذي طالب بمليار دولار فقط. عدا ذلك أعلنت الإدارة الأميركية عزمها إعادة تذخير القبة الحديدية، التزاما بتعهداتها المستندة إلى سياسة حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.

وبالإضافة إلى ذلك منحت الإدارة الأميركية الحكومة الحالية، أربعة أشهر، يفترض أن يتم خلالها إقرار الميزانية العامة، دون أن تزعجها بطرح الملف الفلسطيني، أو ملف المفاوضات السياسية. يعبر ذلك عن تفويض أميركي لحكومة المستوطنين، بأن تفعل ما تراه مناسبا دون أن تتعرض لأي انتقاد أو ضغط أميركي.

وفق كل السيناريوهات، من غير المتوقع أن تحدث الحكومة الإسرائيلية أي فروقات في التعامل مع الواقع، والملفات التي تتصل بالساحة الفلسطينية، سواء في القدس، أو الضفة والاستيطان أو الداخل الفلسطيني الذي يشتعل بسبب السياسة العنصرية، وآخرها ما تشهده قرية دير الأسد، وأخيراً إزاء قطاع غزة. ربما كان الأهم بالنسبة لحكومة بينيت، هو كيفية التعامل مع الأفخاخ التي أبقاها نتنياهو وبما يضمن استمرارها لأطول فترة ممكنة.

ثمة تحديات كبيرة وصعبة تنتظر حكومة بينيت، ربما كان أولها الحذر من الحملات التي يديرها الليكود وزعيمه، لإسقاط هذه الحكومة، ولكن ثمة تحديات أخرى أمنية واقتصادية واجتماعية شديدة التعقيد.

انتقد لابيد هتافات المستوطنين المتطرفين، والمتدينين الذي شاركوا في مسيرة الأعلام، وهتفوا بقتل العرب، وقال لا يمكن أن يكون علم إسرائيل، رمزاً للعنصرية، لكنه لا يستطيع أن يمنع ذلك، في ضوء قانون العنصرية، الذي يمارس جهاراً نهاراً ضد مواطني إسرائيل من الفلسطينيين بصفة خاصة وضد الفلسطينيين بصفة عامة.

وأمام هذه الحكومة تحديات أمنية استراتيجية، حيث تخشى من تطور قدرات إيران النووية، بينما تدير الولايات المتحدة وشركاؤها في الاتفاق سياسة العودة لاتفاق (خمسة زائد واحد). وأمامها أيضاً تطور قدرات «حزب الله» في الشمال، خاصة في ضوء انهيار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فضلاً عن ملاحقة الوجود الإيراني في سورية والعراق.

وأخيراً لا يمكن إقصاء فصائل المقاومة في غزة، من دائرة الحسابات والمخاوف الأمنية الإسرائيلية. كل هذه التحديات والمخاوف المطروحة أمام حكومة الاستيطان تشكل تحديات حقيقية وخطيرة، خصوصاً في ظل تصاعد الحملات الدولية، التي تدعو للتحقيق في جرائم حرب، وتدعو إلى التضامن مع الشعب الفلسطيني بالإضافة إلى لجان التحقيق الدولية، التي تتعرض لها إسرائيل من قبل الجنائية الدولية، وحقوق الإنسان الدولية، وفي ظل اتساع دائرة التحريض على العنصرية.