نشر بتاريخ: 2021/06/13 ( آخر تحديث: 2021/06/13 الساعة: 13:43 )
نبيل عمرو

راديو الشباب  

ومصر بدورها موقنة بأن أزمة غزة دائمة التفجر تمتلك مفاتيح إغلاق أو فتح الباب نحو تسوية سياسية للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي من أساسه، لهذا تعمل مصر وفق تراتبية منطقية تبدأ مع كل معركة بالتوصل السريع قدر الإمكان إلى وقف لإطلاق النار لتجنب مزيد من نزف الدم والدمار، ثم تنتقل إلى تهدئة طويلة الأمد تقدر مصر أنها تخلق مناخاً مواتياً لتحريك الملف السياسي المعطل منذ سنوات.

منذ حسمت حركة حماس أمر السلطة على غزة، وأقصت الشرعية المعترف بها بصورة نهائية، ونشأ أخطر انقسام في الساحة الفلسطينية، ومصر تعمل بصبر ومثابرة على خطين متوازيين إلا أنهما بالمنظور الاستراتيجي يكمل أحدهما الآخر، أو يأكل أحدهما الآخر، وأعني بهما التهدئة والمصالحة.

كانت تنجح في الأولى، ولا تصيب نجاحاً في الثانية، وكان النجاح في الأولى راجعاً إلى استثمارها لعلاقاتها مع الجانبين المتحاربين والاستفادة من الهامش الموضوعي الذي يظهر عقب كل معركة، وهو عدم رغبة أي من المتحاربين للدخول في حرب جديدة ما دام بالإمكان تحقيق نتائجها بالسياسة.

ويسجل لمصر العربية أنه في كل مرة تدخلت لوقف إطلاق النار أو لتثبيت هدنة لفترة طويلة، لم تمارس دورها كوسيط محايد كما لو أنها سويسرا أو السويد أو ألمانيا، بل مارسته كصاحبة مصلحة مباشرة في التهدئة وكدولة تلتزم بالحقوق الوطنية الفلسطينية كأساس لأي تسوية، من دون أن نغفل دور الجغرافيا الحاسمة في فاعلية الأدوار وفي هذا المجال، فالأمر محسوم لمصر.

غير أن موضوع المصالحة كان مختلفاً تماماً من حيث النتائج، فلم تكن مصر لتنجز ما كانت تنجزه في مجال التهدئة مع أنها الأكثر إخلاصاً والأكثر مصلحة في ترتيب البيت الفلسطيني المتعب للأصدقاء أكثر بكثير مما هو متعب للأعداء.

ما سعت إليه مصر منذ بداية الانقسام هو إنجاز وحدة وطنية فلسطينية تساعد على سد الثغرات القاتلة في الجسم الفلسطيني، وتؤهله ليكون في جاهزية معقولة إذا ما نجحت المساعي الصعبة في فتح مسار سياسي جديد، مع الإشارة إلى أن مصر لم تتوقف عن المناداة بحتميته، كما لو تتوقف عن العمل مع الأطراف المعنية كافة، وخصوصاً على الصعيد الدولي للشروع فيه.

الجهود المصرية الصبورة والمثابرة في مجال المصالحة كانت وما تزال تصطدم باستعصاءات الوضع الداخلي الفلسطيني الذي كان أقطابه يتفقون في القاهرة ويستأنفون اختلافاتهم في غزة ورام الله، كان الجهد المصري يبدو عندما يصل إلى الشارع الفلسطيني الأخير كما لو أنه يسير فوق حقل ألغام ما أن يتخلص المهندسون البارعون من تفكيك الأول حتى ينفجر الثاني أو الثالث، وهكذا ليس لمرة أو 10 مرات، وليس لسنة أو سنتين، وإنما لأكثر من عقد من الزمان أؤرخ له مع أول يوم من أيام الانقسام الممتدة، ولا يزال الوضع على حاله، مع بعض تحسن في اللغة.

المصريون وهم الخبراء بالملف الفلسطيني من كل جوانبه يجدون أنفسهم مضطرين إلى العمل بنمطية يفرضها واقع الحال الفلسطيني، إذ يدعون الفصائل لاجتماع في القاهرة، ويصغون للمرافعات المتكررة منذ أول اجتماع ويوزعون الغرف بين الفعّالين والرمزيين، بين من يحاورون إسرائيل في أمر التهدئة ومن تصر القاهرة على إبقائهم في المعادلة رغم قلة تأثيرهم الميداني في كل الأمور المتعلقة بغزة، وبين مجاملة لمصر والتحضير لانفجار جديد، ويعود كل إلى معقله وإلى موقعه في الأزمة، لتنشأ حالة صراع تهيئ لمحاولة جديدة، والقاهرة دائماً جاهزة للاستضافة.

الآن بعد حرب الأحد عشر يوماً وما سبقها من اشتعال في القدس والضفة، حتى ما رافقتها من تفاعلات داخل إسرائيل والولايات المتحدة وعواصم العالم، بعد ذلك ظهر عامل إيجابي لافت تماماً، وهو تعزيز الدور المصري بما يشبه التفويض الفلسطيني والإسرائيلي والأميركي، وبفعل ذلك تبخرت أو ضعفت في أفضل الأحوال أدوار المنافسين أو المضاربين على شراء أسهم في الاستثمار الغزي، فوجد هؤلاء أنفسهم إما في حالة تعاون طوعي أو اضطراري مع مصر أو الانكفاء انتظاراً لانهيار جديد.

إلا أن الطريق الدولية والإقليمية الممهدة أمام الدور المصري تشترط وجود طريق ممهدة على صعيد إسرائيل و«حماس»، فالطرفان وحدهما من يملكان مفتاح التهدئة أو التصعيد، والطرفان يعملان وفق أجنداتهما الخاصة، وهذا أمر ينبغي التدقيق فيه والانتباه إليه.

في إسرائيل ربما يبدأ الإشكال بعد استقرار الحكومة الجديدة حين التوغل في شروط التهدئة طويلة الأمد، المؤشرات تقول إن وزير الدفاع غانتس ربما يلعب دوراً مميزاً في بلورة إجماع أو أغلبية حكومية حول خططه بالنسبة لغزة، وهذه الحكومة التي تأسست على هدف واحد هو إطاحة نتنياهو ربما تقدم على مرونة معقولة أو محدودة في هذا الاتجاه، إلا أنها ستنفجر حتماً إذا ما وصلت الأمور مشارف التسوية الجذرية التي تسعى إليها مصر، ولا ترى فائدة من كل الترتيبات التي تتم دون العمل الجدي على إنجازها.

الرهان على دور مصر بعد مؤهلها البديهي الذي لم يعد يجادل فيه أحد، وبعد كل التبني الإقليمي والدولي هو رهان مبرر وموضوعي، إلا أن ما كان يعترض هذا الدور ما يزال قائماً، وليس غير الأيام المقبلة، وربما الشهور، هي من سينبئنا بالحقيقة التي نأمل أن تكون مشجعة على إكمال الشوط حتى آخره.